الاثنين، 11 فبراير 2013

مصور بالتليفزيون: «مبارك» سجل بيان إقالة المشير طنطاوى.. و«المناوى» رفض إذاعته وأبلغ به الجيش


اللواء عمر سليمان أثناء إلقاء خطاب التنحي
مشاعر مختلطة تسود المبنى الشهير بوسط القاهرة، خوف وترقب، غضب سيطر على موظفى «ماسبيرو» الذين لا يستطيعون مغادرة المبنى، فالحشود المحيطة به سوف تفتك بهم، أيام الاعتصام تزيد الشباب إصرارا، خطابات الرئيس الحاصل على «دكتوراه فى العند» لم تهدئ من روعهم، بل زادت الطين بلة. جاء الفرج؛ فقد تناقل موظفو التليفزيون خبراً يفيد أن اللواء إسماعيل عتمان، مدير إدارة الشئون المعنوية، يجتمع بعبداللطيف المناوى، رئيس قطاع الأخبار، داخل مكتبه، أحسوا أن الأمر جلل، فقوات الجيش المسيطرة على مبنى التليفزيون من الداخل تشير لاتخاذ قرار مهم.. خرج اللواء عتمان بمصاحبة المناوى من الدور الخامس، هبطا على درجات السلم حتى وصلا إلى استديو 11 الرئيسى، أخرج اللواء «شريط فيديو» من داخل بذلته العسكرية، وصدرت أوامر لطاقم العمل بالاستعداد لإذاعة بيان، شارفت الأزمة على الانتهاء فاليوم هو الجمعة الموافق 11 فبراير 2011.

«قرر الرئيس محمد حسنى مبارك تخليه عن منصب رئيس الجمهورية»، ما إن نطق بها اللواء عمر سليمان حتى اهتز لها المبنى القديم جراء هتافات الجماهير بالداخل والخارج، دموع تساقطت داخل الاستوديو، صرخات الحزن تمتزج مع زغاريد الفرح، عامل البوفيه يخر ساجداً، فى الوقت الذى اكفهر فيه وجه رئيس قطاع الأخبار.. هكذا كانت المشاعر داخل استوديو 11 التى ينقلها «حازم العتر» مدير التصوير بالتليفزيون المصرى، شاهد على الحدث، ليس بعينيه فقط، بل بكاميرات الفيديو الحديثة التى مكنته من تصوير كواليس خطاب التنحى. اللواء عتمان غادر الاستوديو فور إعلان التنحى، فيما فضل المناوى استكمال عمله، صعد إلى مكتبه واجتمع بطاقم العمل وطالبهم بـ«تغطية الاحتفالات»، فى الوقت الذى بدأ فيه «كبار السن» فى البكاء: «الموضوع إنسانى بحت، كانت الناس مضغوطة وبدأوا فى الانفجار بعد إذاعة البيان». 
التليفزيون لم يعرف الثورة لأنه جهاز غير محايد.. وكل ما نصوره حول «الاتحادية» يخضع للمونتاج
«محدش كان يعرف الشريط كان فيه إيه، حتى المناوى نفسه»، يقول العتر، فالأجواء داخل المبنى كانت صدامية إلى أقصى الحدود، المتظاهرون فى الخارج يحاولون اقتحام المبنى، الموظفون بالداخل لا يستطيعون الخروج: «كان بقالنا أكتر من 3 أيام محبوسين، مكنش فيه أكل ولا سجاير»، يقول مدير التصوير. قبل خطاب التنحى بيومين قرر الرئيس مبارك عزل المشير طنطاوى والفريق عنان وتعيين قائد الحرس الجمهورى وزيراً للدفاع، جاء البيان من رئاسة الجمهورية وقرر وقتها المناوى عدم إذاعته، كما يؤكد «العتر» الذى يقول: «رئيس قطاع الأخبار بلغ الجيش بالبيان ورفض يذيعه»، العنف المحيط بالمبنى دفع المناوى، الذى كان هو القيادة الوحيدة داخل مبنى التليفزيون وقتها، إلى تحذير العاملين فى حالة نجاح محاولات الثوار بالاقتحام: «قال لنا لو دخل المتظاهرين المبنى تعاملوا بكل حرفية وذيعوا أى بيان يطلبوا منكم إذاعته». رفض المناوى إذاعة بيان عزل قيادات الجيش جعل له حظوة لدى الجيش، كما يؤكد «العتر»، فأوامر أنس الفقى، وزير الإعلام فى وقتها، كانت صارمة بشأن المناوى: «المناوى فضل محبوس فى مكتبه من يوم 28 لحد يوم 9 فبراير»، وبعد رفض رئيس قطاع الأخبار إذاعة البيان قررت قيادات الجيش إسناد إدارة المبنى للمناوى، الذى أصبح الرجل الأول فى ماسبيرو وصاحب القرار الأول والأخير، وكان اتصاله مباشرة بقادة المجلس العسكرى خاصة مدير إدارة الشئون المعنوية اللواء إسماعيل عتمان: «ابتدا نجم المناوى يعلو، وبعد ما كان مبيسبش مكتبه بدأ يخرج ويساهم فى نقل الحقيقة للمشاهدين». يستكمل اللواء عمر سليمان آخر كلمات الخطاب: «وكلف المجلس الأعلى للقوات المسلحة بإدارة شئون البلاد والله الموفق والمستعان»، الذى يعلق عليه «العتر» بقوله: «مبارك مكنش عنده خيار، والمجلس العسكرى هو اللى عزله»، فبعد إبلاغ المناوى المجلس ببيان عزل قياداته تصاعد الأمر وقرر قادته عزل مبارك.
المجلس العسكرى أجبر مبارك على التنحى بعدما عرف بقرار إقالة قياداته
المبنى الكبير يعمل بأقل من ربع طاقته، فمشاعر الإحباط كانت تسيطر على العاملين فيه، ما دفعهم لعدم مغادرة منازلهم، صباح الخميس 10 فبراير كانت الكارثة توشك على الحدوث، فاستديوهات التليفزيون تخلو من المصورين والمذيعين، كونهم خارج المبنى فلا يستطيعون الدخول: «الدنيا كانت بايظة برة، ومفيش حد كان ممكن يدخل»، حاول رئيس القطاع تدارك الكارثة: «كان عندنا مذيعة فى المبنى معرفتش تروح وخرجنا بيها هوا فى برنامج صباح الخير يا مصر، اللى اتصور وقتها بكاميرتين بس».
يوم التنحى، تحركات غريبة سادت المبنى، تلقى «العتر» تعليمات مباشرة من رئيس قطاع الأخبار عبداللطيف المناوى يخبره فيها بضرورة الاستعداد بثلاث كاميرات لتوثيق الحدث: «رغم أن المناوى مكنش يعرف إيه اللى فى الشريط، بس كان حاسس إن فيه حاجة كبيرة هتحصل». بدأ «العتر» فى «تجهيز نفسه»؛ ثلاث كاميرات وضعها فى أماكن مختلفة ليرصد كل ردود الفعل على «البيان المجهول»، «وشوش الناس» كانت هدفه، وضع كاميرا فى حمام حريمى يطل مباشرة على كورنيش النيل لتصوير المحتشدين أمام المبنى، واحدة أخرى فى وسط الاستوديو الأكبر، ثالثة يمسكها بيده.. بدأ الخطاب وساد الصمت: «كنت بصور الأحاسيس والمشاعر، بوثّق الحدث، بحاول أعمل إثبات رسمى للتاريخ والناس»، انتهى الموقف، بدأ الوضع فى الهدوء أمام مبنى التليفزيون، وتحولت ساحة القتال إلى ساحة للاحتفالات، حقوق الشهداء التى ظن «العتر» أنها ستعود وانتهاء النظام القمعى المستشرى فى طول البلاد وعرضها جعلاه يبتسم فى فرح، فقد انزاح الكابوس، فضل الكثير من موظفى ماسبيرو مغادرة المبنى للاطمئنان على ذويهم فى الوقت الذى سلم فيه الشاب البالغ من العمر 35 عاما «شريط التنحى» إلى عبداللطيف المناوى، ليفاجأ بعد أيام بتسريبه على شاشة قناة العربية: «أنا كنت بوثّق ده للتليفزيون، لكنه اتسرب واتذاع على قناة تانية»، فالفيديو الذى كان شاهداً على اللحظات الصعبة أثبت بتسريبه «إن فيه حرامية جوه التليفزيون».
«المناوى» ظل محبوساً فى مكتبه بأمر من «الفقى».. وولاؤه للجيش أعاد له كل الصلاحيات
فى ذكرى خطاب التنحى، يرى «العتر»، الذى ترك دراسته فى الجامعة الأمريكية وتفرغ لدراسة السينما والتصوير، أن وضع مصر ما بعد الثورة كما هو، فمبنى التليفزيون ما زال خاضعاً لتوجهات القيادات العليا، ما يدفع الثوار لاتخاذه هدفاً حتى الآن رغم مرور عامين على الثورة، فالتليفزيون المصرى يعود لنفس ممارساته، رئيس قطاع الأخبار الجديد إبراهيم الصياد «بينفذ الأوامر» لأنه «هيطلع على المعاش كمان شوية ومش عايز مشاكل»، منذ عدة أيام ذهب المصور لتغطية أحداث قصر الاتحادية لكن قيادات التليفزيون «بيذيعوا اللى هما عايزينه بس وبيعملوا مونتاج على فيديوهاتنا»، فيؤكد «العتر» «إن مفيش ثورة فى التليفزيون لأنه مش حيادى، هيبقى إزاى كده ووزير الإعلام نفسه إخوان؟»، مشيراً إلى أن «اللى بيخرج عن النص بيحوله للتحقيق على طول».



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق